نشرت جريدة الأحداث المغربية في عددها ليوم الخميس 17 يناير 2019 حوارا مع ذ. عبد الجليل باحدو رئيس التضامن الجامعي المغربي ، أكد فيه على ضرورة محاربة العنف وصيانة وحماية المؤسسات التعليمية من كل مظاهر والانحراف والسلوكات والممارسات اللامدنية، بإخراج مدونة للحماية الأمنية والقضائية، وأن من أولويات خدمات جمعية التضامن الجامعي المغربي صيانة كرامة أسرة التعليم وإقامة مدرسة ديمقراطية حداثية قادرة على إدخال المغرب إلى مصاف الدول راقية، كما شدد الاستاذ باحدو على أن الفضل في استمرارية المنظمة يعود لمديرات ومديري المؤسسات التعليمية بالمغرب، هذه الفئة هي الأكثر تعرضا للتهجمات والاعتداءات والشطط في استعمال السلطة. فيما يلي نص الحوار:
إذا كانت منظمة التضامن الجامعي المغربي لها امتداد كبير في صفوف الهيئة التعليمية، إلا أن الجيل الحالي في حاجة إلى معرفة أكبر بالمنظمة وأهدافها، فماذا تقدم هذه الجمعية لمنخرطيها؟
تهدف منظمة التضامن الجامعي المغربي إلى الإسهام في ضمان الاحترام والكرامة لأسرة التعليم وتبويئها المكانة اللائقة بها في المجتمع حتى تنهض بدورها في إحداث التغييرات الاجتماعية والثقافية التي تستجيب لتطلعات الشعب المغربي في الكرامة والعدالة؛ وتستمد توجهها من فكرة التضامن.
أما خدمات التضامن الجامعي المغربي فهي عديدة تتجلى بالخصوص في الدعم القضائي ومؤازرة المنخرطين والمنخرطات الذين يقعون ضحية مخاطر المهنة أو يعتدى عليهم بسبب هويتهم المهنية، أو عند الاعتداءات ذات الطابع الإداري كالشطط في استعمال السلطة إزاءهم من خلال خدمة المحاكم الإدارية؛ وذلك من خلال توفير محام للمؤازرة، ومصاحبة الضحية طيلة مراحل التقاضي، كما تقدم المنظمة الاستشارات القانونية وتقديم الدعم القانوني سنويا لفائدة المنخرطات والمنخرطين في كل القضايا المرتبطة بمهنتهم؛ سواء عبر الهاتف أو المراسلات الإلكترونية أو العادية، أو عبر التواصل المباشر مع المستشارين القانونيين والتربويين للمنظمة، وفي حالة نشوب نزاع بين عضويين من هيئة التعليم، فإن الجمعية تسارع إلى تشكيل لجنة صلح وتتحمل كافة المصاريف لتحقيقه، بحكم أننا لا نساند عضوا من أسرة التعليم ضد آخر مهما كانت الأسباب والدواعي. أما على المستوى الاجتماعي فقد فتحت التضامن الجامعي المغربي ورشا يتعلق بإنشاء سلسلة « دار المدرس » لإيواء المنخرطين/ات وأسرهم واستقبالهم، والتي انطلقت من الدار البيضاء بتمويل ذاتي على أمل إنشاء دور أخرى مستقبلا؛ كما حرصت على التكريم السنوي المتقاعدات والمتقاعدين، وتنظيم دورات تكوينية للمدرسات والمدرسين الجدد ، وإصدار كتب وأدلة تتناول قضايا التربية والتشريع، ضمن سلسلة صدى التضامن.
وفي هذا السياق لابد من التذكير أنه كان لمنظمتنا شرف السبق بالاحتفال باليوم العالمي للمدرس(ة)، وذلك منذ 2006.
حيث دأبت على إصدار ملصق خاص وبيان بالمناسبة يحمل الشعار الذي يتم الاحتفال به، كما هو الحال بالنسبة لهذه السنة الذي اخترنا له شعار: « المدرسة فضاء للتربية على القيم وتسرسيخ السلوك المدني » الذي يلخص رؤيتنا واستراتيجيتنا لإصلاح المنظومة التعليمية، بما يؤهل المدرسة العمومية لأن تلعب دورها في النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وتحقيق التنمية المستدامة والولوج إلى عصر المعرفة؛ مؤكدين على أن من أكبر التحديات التي تواجهها منظومتنا التربوية يتطلب مراجعة المناهج والمقررات الدراسية مواكبة المستجدات المعرفية والعلمية، وتحصين الأجيال من التطرف والإرهاب والضلامية الفكرية والانغلاق.
قبل مناقشة أدوار منظمة التضامن الجامعي المغربي ومواقفه من بعض القضايا التعليمية، يثيرنا تاريخ تأسيس هذه الجمعية والذي يعود إلى فترة الاستعمار، فما هو السياق التاريخي لميلاد منظمتكم؟
صحيح أن منظمة التضامن الجامعي المغربي نشأت كامتداد لاتحاد جمعيات التضامن الفرنسي Federation autonomes de Solidarité (FAS). والذي بدوره كان وليد سياقات تاريخية عرفتها فرنسا، خلال القرن التاسع عشر، والتي تجلت بالخصوص في قيام المدرسة الجمهورية بعد أن كانت الكنيسة الكاثوليكية تسيطر على التعليم بأيديولوجيتها وتوجهها السياسي المحافظ. إذ قررت الدولة الفرنسية إجبارية التعليم وتحمل أجور المدرسين وفق القوانين التي حملت اسم وزيرها « جول فيري » Jules François Camille Ferry . فانفتحت المدرسة على مختلف شرائح المجتمع الفرنسي (أبناء الفلاحين والصناع والعمال…).
وكانت الحوادث التي تصيب التلاميذ في المدرسة تخضع لنظام مسؤولية المدرسين عن الخطأ الشخصي، وهم تحت عهدتهم ومراقبتهم. وما بين 1891-1894 هزت المجتمع المدرسي ثلاثة أحداث تم فيها اعتقال ومحاكمة مديرين وأستاذ وإدانتهم بناء على تحميلهم المسؤولية المدنية والجنائية عن موت تلميذ بسبب شجار في الساحة مع زملائه وإصابة أخر بعاهة مستديمة بعد أن دفعه زميل له في حفرة كانت معدة لغرس شجرة ودخول الأستاذ في صراع مع الكنيسة بسبب نشره الفكر العلماني، هذه الأحداث حفزت المديرين والمدرسين على اتخاذ مبادرات لدعم ومساندة زملائهم وعائلاتهم، فانطلقت حملات لجمع التبرعات وتم تشكيل لجان لمؤازرة الزملاء ماديا ومعنويا، وسرعان ما تحولت هذه المبادرات إلى حركة تأسيس جمعيات ضد الحوادث المدرسية.
فتأسست أول جمعية بتولوز سنة 1893 وتبعتها أقاليم أخرى ليتم إنشاء اتحاد جمعيات التضامن (FAS) سنة 1909.
كما تأسست فروع أخرى بالمستعمرات الفرنسية ومنها المغرب، حيث تكفل أعضاء هيئة التعليم الفرنسي العاملين بالمغرب بإنشاء التضامن الجامعي للمغرب سنة 1934، وبعد الفترة الاستعمارية وبالضبط في 29 يناير 1960 وضع المدرسون المغاربة قانونا تأسيسيا للجمعية باسمهم وترأسها السيد حدان أحمد مدير مدرسة زنقة انكورا في الدار البيضاء.
يجب التأكيد أن فضل استمرارية المنظمة يعود لمديري المؤسسات التعليمية بالمغرب، كما أنهم الفئات أكثر تعرضا للتهجمات والاعتداءات والشطط في استعمال السلطة. وبهذه المناسبة أنوه بالمبادرة التي قام به التنسيق الثلاثي للجمعيات الوطنية للمديرات والمديرين بالتعليم الابتدائي والثانوي وللحراس العامين والنظار ورؤساء الأشغال ومديري الدراسة، والمتمثلة في دعوة أعضاء هيئة الإدارة التربوية وباقي نساء ورجال التعليم إلى الانخراط الفعلي والفعال في التضامن الجامعي المغربي، وحثهم على انتداب مراسل للمنظمة بمؤسستهم. نتمنى أن نتلمس أثر هذا التوجيه على أرض الواقع لتعزيز قيم التضامن والتآزر بين أعضاء الهيئة التعليمية.
ما تتميز به جمعيتكم هو محاربة العنف بالوسط المدرسي ومنه العنف الموجه ضد الهيئة التعليمية. كيف تقرؤون حالات الاعتداء التي استهدفت نساء ورجال التعليم بالمغرب؟
من المؤكد أن مهمتنا الأولى تتمثل في الدفاع عن أعضائنا، وضمان حمايتهم ضد مخاطر المهنة، وقد شهدت الساحة التعليمية، مطلع هذ الموسم الدراسي حوادث كثيرة، اتسم بعضها بعنف قوي، استعمل فيها السلاح الأبيض ونال أعضاء الهيأة التعليمية، نساء ورجالا نصيبا لا يستهان به من الاعتداءات والإهانات يشهد عليها عدد القضايا المحالة على الجمعية منذ بداية السنة الدراسية إلى الآن.
إن ما أعطى أبعادا غير مسبوقة لحوادث الاعتداء، ليس نوعها أو عددها، ولكن دخول الإعلام الرقمي على خط ترويجها ونشرها على نطاق واسع بين ملايين مستعملي الأنترنيت وجعل الموضوع يقفز إلى واجهة الإعلام بكل أنواعه.
إننا – في التضامن الجامعي المغربي- لا زلنا عند موقفنا من أن العنف في الوسط المدرسي يرتبط بعوامل متعددة ومتداخلة، منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي والتربوي … الخ وربطنا القضاء على هذا العنف بإصلاح المنظومة التعليمية وإعادة النظر في البرامج والمقررات الدراسية بما يتوافق مع التطورات العالمية ومواثيق حقوق الإنسان، بحيث تكون هذه المنظومة الفضاء الأول والأرضية الأساس لزرع وترسيخ الفكر النقدي الخلاق، وبذور الفكر الديمقراطي فهما ووعيا وممارسة وتربية المتعلمين على الحرية والتعايش واحترام الرأي الآخر؛ فقضية العنف في الوسط المدرسي لا يمكن مواجهتها بالزجر والاعتقال والإقصاء من المدرسة، ولكن بالعمل على إرساء مدرسة عمومية ديمقراطية.
علمنا أن منظمة التضامن الجامعي المغرب انتهت من إعداد دراسة ميدانية، حول العنف الموجه ضد الهيئة التعليمية بالمغرب. هل يمكن أن تحدثوننا عن هذه المبادرة العلمية؟
توجهت المنظمة، منذ مؤتمرها العاشر 2005، نحو فتح المجال للمختصين والخبراء في مجال اشتغالها لتدارس السبل الموضوعية لتجاوز الاختلالات التي تعرفها منظومة التربية والتكوين، ومن أبرزها تراجع دور المدرسة العمومية في التربية على القيم وفي ترسيخ السلوك المدني، مما أدى إلى تنامي سلوكات لامدنية كالعنف في الوسط المدرسي، وغياب الانضباط والالتزام بالنظام الداخلي، وتنامي الغش، والتحرش والإضرار بالملك العام والبيئة؛ ويتجلى هذا الانفتاح في تنظيم ندوات دولية ووطنية، وقد توجت هذه الندوات باقتراحات وتوصيات عديدة، تعمل المنظمة على أجرأتها، أو إثارة انتباه المسؤولين الحكوميين إلى تبنيها، ومن أهم هذه التوصيات التي استطاعت المنظمة تفعيلها إنجاز دراسة علمية حول العنف الممارس ضد نساء ورجال التعليم بالمدرسة المغربية.
هذه الدراسة التي ستتقاسم التضامن الجامعي المغربي نتائجها وتوصياتها قريبا في ندوة صحفية، ساهم في إنجازها ثلة من خبراء المنظمة، وتجند لها أعضاء الإدارة المركزية والمكاتب الإقليمية في ربوع المملكة وفق ضوابط علمية صارمة. والتضامن الجامعي المغربي بهذا العمل، تعتبر نفسها المنظمة السباقة بالمغرب التي أنجزت دراسة في هذا الموضوع وبهذه المواصفات.
تعيش منظومة التربية والتكوين توترا غير مسبوق، همت كافة الفئات من مفتشين ومديرين وأساتذة وتقنيين، كيف ترون مداخل تطوير المنظومة وإصلاحها؟ وكيف تدعمون نضالات الفئات المتضررة؟
ترى التضامن الجامعي المغربي، كجمعية تدافع عن كرامة المدرس وشرف مهنته، أن مداخل الإصلاح الممكنة يجب أن تنطلق من توفر إرادة سياسية حقيقية للتغيير وأن تتوجه نحو وضع سياسة تعليمية جديدة، تضمن لهيئة المدرسين أحوالا معيشية ملائمة، وبيئة معنوية مشجعة، وحرية في التدريس، وأمنا وظيفيا، فضلا عن تمتيعهم بالمحفزات الأساسية ضمن مقاربة شاملة لتدبير الموارد البشرية للتعليم مبنية على أسس متينة ومنصفة، تتوخى الاعتراف والتقدير لنساء ورجال التعليم، ورد الاعتبار لهم وإحلالهم المكانة اللائقة بهم في المجتمع، ومنحهم المزيد من المشاركة والمسؤولية في إطار الإصلاح.
كما تؤكد التضامن الجامعي المغربي على أنه حينما يتحقق الشعور بالأمن الوظيفي للهيئة التعليمية، يحق عندئذ فقط، مساءلتها عن مردوديتها وإلزامها بتقديم الحساب عند أداء مهامها واحترامها « لأخلاقيات المهنة ».
أما على مستوى الدعم والمؤازرة، وعلى اعتبار أننا جمعية وليس نقابة التي لها حق تمثيل العاملين في القطاع، فإن وظيفتنا في حدود اختصاصاتنا التي خولها لنا القانون، هو إصدار بيانات مؤيدة لنضالات كافة الفئات المتضررة، ووضع إمكانات المنظمة رهن إشارة النقابات والجمعيات في إطار شراكات، ومؤازرة المتضررين أمام المحاكم المغربية، وفي هذا السياق يجدر بي أن أذكركم أن التضامن الجامعي المغربي تبنت ملف الدفاع والمؤازرة القضائية أمام المحكمة الإدارية من أجل الطعن في قرار فسخ عقد التوظيف المبرم بين أستاذ متعاقد وبين الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس – مكناس، وقد ألغت المحكمة الإدارية بفاس قرار فسخ العقد، وننتظر تأييده استئنافيا.
ماذا عن العريضة المطلبية التي تعتزم التضامن الجامعي المغربي توجيهها لرئيس الحكومة؟
في الحقيقة، وفي خطوة متقدمة أعدت منظمة التضامن الجامعي عريضة مطلبية بشأن مدونة للحماية الأمنية والقضائية لأعضاء الهيئة التعليمية، حيث تدخل هذه المبادرة ضمن مهمة الترافع التي يتبناها التضامن الجامعي المغربي للدفاع عن الهيئة التعليمية، وذلك بعد استقراء واقع الحال الذي يشهد تنامي الاعتداءات على الهيئة التعليمية، في غياب ضمانات الأمن والاستقرار والحماية المناسبة لأداء رسالتها النبيلة في أفضل الظروف. كما أن التفكير في تقديم عريضة مطلبية للسيد رئيس الحكومة بشأن مدونة للحماية الأمنية والقضائية لأعضاء الهيئة التعليمية، تم التداول فيه خلال الندوة الدولية التي نظمتها المنظمة بمكناس بتعاون مع شركائها بتاريخ 3 و4 ماي 2017 في موضوع: الهيئة التعليمية في التشريع المغربي في أفق إخراج مدونة لتأطير مهنتها« .
يبقى التأكيد أن ما تطالب التضامن الجامعي المغربي اليوم من مدونة لأسرة التعليم تضمن لهم الحماية من الأخطار المحتملة، ليست أمرا جديدا، بحكم أن بعض القطاعات تتوفر على مدونة تؤطر مهنتهم وتضمن لهم أقصى درجات الحماية والأمن ذات الصلة بممارسة مهامهم، ولاسيما القضائية منها والأمنية.
يجري حاليا، أمام البرلمان، مناقشة مشروع القانون –الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، فهل لكم موقف أوقراءة لهذا المشروع؟
بالفعل في إطار مواكبة التضامن الجامعي المغربي لمسار الإصلاحات المرتبطة بقضايا التربية والتكوين والبحث العلمي في بلادنا، والمساهمة في إثراء النقاش العمومي المثار حول إصلاح منظومة التربية والتكوين، عقدنا مائدة مستديرة بتاريخ 22 دجنبر 2018، شارك فيها ثلة من رجالات الفكر والأطر ذوي الخبرة والتجربة في مجال التربية والتعليم، ناقشت المشروع وركزت قراءتها له على عدة محاور لفحص مدى ربط المشروع التربوي بالديمقراطية والتنمية في إطار مشروع مجتمعي شامل بديل، وهل هناك إرادة سياسية حقيقية لإشراك الفاعلين الأساسيين والمعنيين المباشرين بالإصلاح.
كما تناولت إعادة النظر في البرامج والمناهج وموضوع القيم المشتركة، وكيفية معالجة قضايا التعليم على اعتبارها استثمارا ضروريا للأمة وليس عبئا مكلفا لها، وتناولت كذلك قضية فرض رسوم على التعليم، وأكدت رفضها بفرض رسوم على التعليم مهما كانت طرقه وأساليبه لأن ذلك يعتبر مسا لأحد المكاسب الأساسية ألا وهو مجانية التعليم، وصدر عن هذه المائدة المستديرة عدد من التوصيات سيتم تقديمها إلى السلطات التشريعية والإدارية المعنية بإصلام منظومة التربية والتكوين.