ذ. أيت الحاج عبد اللطيف
توصل الأستاذ عبد المالك اهلال في مطلع عيد المعلم باستفسار صادر عن المكلف بالمديرية الإقليمية للتعليم بازيلال مؤرخ في 04 اكتوبر 2018 تحت عدد 2748/18 بناء على ما يكتبه من مقالات صحفية بعدد من المواقع الاليكترونية حسب ما ضمن بالاستفسار .
وتضامنا معه أساهم بهذه المذكرة القانونية كشكل من أشكال التعبير عن التضامن ضد تعسف الإدارة في حقه ومحاولة تكميمه ومنعه من ممارسة حقه في التعبير عن آرئه بكل حرية في مختلف وسائل الإعلام.
وبناء عليه فإني سأناقش مضمون الاستفسار بميزان القانون المغربي والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان مبينا الخروقات التي سقطت فيها مندوبية التعليم بازيلال في شخص المكلف بتصريف الأعمال مؤقتا كالتالي:
أولا : خرق مقتضيات الفصل 25 من الدستور المغربي والفصل الأول في قانون الصحافة 13.88.
ينص الفصل 25 من دستور 2011 على أن :” حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها….”
فالدستور في الباب الثاني الذي خصصه للحريات والحقوق الأساسية ارتقى بحرية التعبير والفكر والرأي إلى درجة الحق الدستوري.
وحيث إن الحقوق الدستورية لا يمكن وضع أي تقييد لها إلا بناء على قانون يصدر عن السلطة التشريعية – وليس هوى الإدارة- فالمديرية الإقليمية ضمنت في مراسلتها سبب توجيه الاستفسار للأستاذ المعني كما يلي: « وبناء على ما تكتبونه من مقالات كمراسل صحفي لعدد من المواقع الاليكترونية “ ، فإذا كانت حرية الصحافة العجلة الأساسية التي يقوم عليها أي نظام ديمقراطي في جميع بلدان العالم ، فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية دون حرية الصحافة والتعبير كما أن هذه الحرية تشمل حق الإنسان، سواء كان صحفيا أو مواطنا (عاديا ) في أن ينشر أفكاره بحرية والتعبير عنها في وسائل الإعلام المختلفة، كل ما يشترط في ذلك هو تحري الصدق والأمانة في نقل الأخبار طبقا لمقتضيات الفصل الأول من قانون الصحافة المغربي قانون 13.88 . وليس وضع حدود حسب ما تهواه الإدارة من مقالات تحت الطلب. وبذلك يكون الاستفسار قد مس بحق من الحقوق الدستورية للمواطن.
ثانيا : خرق مقتضيات القانون الأساسي للوظيفة العمومية
لقد استند الاستفسار موضوع التعليق على النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية وخاصة الفصل 15 منه. وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل 15 من هذا القانون فهو ينص في فقرته الأولى على ما يلي :
” ….يمنع على الموظف ان يزاول بصفة مهنية أي نشاط حر أو تابع للقطاع الخاص يدر عليه دخلا كيفما كانت طبيعته تحت طائلة المتابعة التأديبية …..”
وبناء عليه فان المشرع المغربي وسعيا منه لضمان استقلالية الموظف العمومي فان تدخل منعه من ممارسة الأنشطة الحرة أو التابعة للقطاع الخاص لكن أردف هذا المنع بشرط أساسي وجوهري وعبر عنه
بعبارة واضحة لا تقبل التأويل ” يدر عليه دخلا كيفما كان “، وبمفهوم المخالفة فإنه يجوز للموظف العمومي ممارسة أي نشاط حر أو تابع للقطاع الخاص إذا كان بدون مقابل وخاصة إذا كان يتعلق بالإبداع وحرية التعبير عن الرأي.
وحيث إن عبء الإثبات بان الأستاذ المستفسر يتقاضى أجرا او مقابلا عن مقالاته التي ينشرها في المواقع الالكترونية يقع على عاتق الجهة مدعية الخطأ المهني ، فان الاستفسار خرق مقتضيات الفصل 15 من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية.
ثالثا : خرق الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية التعبير والرأي
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر منذ 1948 نص في مادته 19 على:
” إن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء دونما مضايقة والتعبير عنها بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود” ، كما كرس العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية هذا الحق في المادة 19 بنفس التعبير والعبارات. أما الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر عام 1981 فقد اهتم بحرية الرأي والتعبير اذ نص في المادة 09 منه على أنه :” يحق لكل فرد أن يعبر عن أفكاره وينشر آراءه في إطار القوانين ».
وبناء عليه فإن العهود والاتفاقيات الدولية تجمع على احترام حرية التعبير وتجرم أي انتهاك بخصوصه. نخلص إلى أن الاستفسار موضوع التعليق خرق جميع هذه المقتضيات المتعلقة بالاتفاقيات الدولية ولحماية حقوق الإنسان وانتهك حقا كونيا من حقوق الإنسان يوجب التعويض .
رابعا : خرق مقتضيات المادتين 18 و36 من قانون المسطرة الجنائية
ان المكلف بتصريف الأعمال الموصوف أعلاه حينما نسب للأستاذ المستفسر الأفعال المشار إليها أعلاه والتي حصل عليها من خلال المواقع الالكترونية المتعددة – حسب الاستفسار- عن طريق تجميعها بعد البحث عنها في أيام مختلفة حسب تواريخ نشرها لكونه قد سمح لنفسه بممارسة مهمة بوليسية استخبارية تتعلق بمهام الشرطة القضائية التي تنص عليها المادة 18 من قانون المسطرة الجنائية : ” يعهد إلى الشرطة القضائية بالتثبت من وقوع الجرائم وجمع الأدلة عنها والبحث عن مرتكبيها » .
وما دامت وظيفة مصدر الاستفسار هي تصريف الأعمال بالمديرية الإقليمية للتعليم بازيلال بما يتعلق بشؤون التربية والتكوين وليس ممارسة مهام بوليسية وذلك بالتجسس على ما يكتبه رجال التعليم بالمواقع الالكترونية.
والأدهى والأمر من ذلك ان مصدر الاستفسار لم يقف عند ممارسة مهام الشرطة القضائية بل تجاوز الأمر وقام بتكييف الأفعال المنسوبة للأستاذ المستفسر وأعطى لها صبغة جنحة وهي ممارسة مهنة ينظمها القانون،وهي الجنحة المنصوص عليها في الفصل 380 من القانون الجنائي المغربي( وليس مخالفة مهنية أو إدارية) ، وبذلك يكون مصدر الاستفسار هو من مارس مهنة ينظمها القانون،تجاوز اختصاصاته حينما مارس مهمة ووظيفة من وظائف ممثلي النيابة العامة (وكيل الملك ونوابه ) طبقا لمقتضيات المادة 36 من ق.م.ج.، حينما سطر متابعة تتعلق بجنحة ممارسة مهنة منظمة بالقانون دون ترخيص طبقا للفصل 380 من القانون الجنائي وليس إخلالا بمهام تربوية أو إدارية .
وهكذا، لم يبق للسيد المكلف بتصريف الأعمال ألا إحلال نفسه محل القضاء لإصدار حكم قضائي بإدانة الأستاذ واعتقاله أو نفيه.
خامسا : خرق القاعدة الأصولية : ” لا ينسب للساكت قول “
من بين القواعد الأصولية المشهورة القاعدة التي تنص :” لا ينسب للساكت قول ” ، لكن حتى نكون موضوعيين في تعليقنا فقد ورد ت قاعدة أخرى تكمل هذه القاعدة وهي :” السكوت في معرض البيان بيان كاستثناء من الأصل “.
ولعل المديرية الإقليمية مصدرة الاستفسار طبقت الاستثناء دون الأصل فهل فهمها للقاعدة مصادف للصواب أم لا ؟؟؟ أم أنها نسيت وجود قاعدة أخرى لا تعتبر السكوت إقرارا بل إنكارا “؟؟ .
كما انه قد يكون السكوت لسبب عارض يمنع صاحبه من الرد ، كما يمكن أن يكون وسيلة احتجاج واستهجان أو إنكار وهذا قد يحدث كثيرا في الحياة اليومية كما في نازلتنا إذ لجا المعني بالأمر بالاحتجاج والاعتصام أمام المديرية .
وبناء عليه فلا يمكن اعتبار السكوت عن جواب استفسار الإدارة لموظف بمثابة إقرار منه بثبوت الفعل المنسوب إليه في الاستفسار .خصوصا وأن الموظف يحتفظ بالدفاع عن نفسه في حال فتح المساءلة التأديبية. التي تعج بالضمانات القانونية للمحكمة وبالتالي فإن الاستفسار قد جانب الصواب حينما اعتبر عدم جواب الموظف عن الاستفسار بمثابة إقرار بل أن القضاء الإداري المغربي درج على اعتبار رفض الموظف الحضور للمجلس التأديبي لا يعتبر إقرارا بما نسب إليه من أخطاء إدارية ومهنية .
لان القاعدة السابقة تندرج ضمن القاعدة الأصل ” اليقين لا يزول بالشك” وقاعدة الأصل في الإنسان البراءة.
وبناء على ما سبق نخلص الى كون مصدر الاستفسار تجاوز اختصاصاته وجعل الاستفسار يلحقه عوار قانوني معيب من الناحية الشكلية والجوهرية وخرق مقتضيات العهود والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وكذلك الدستور المغربي والنصوص القانونية المتعلقة بحرية التعبير، ومادام الأستاذ المستفسر لحقته أضرار جسيمة جراء هذا الاستفسار فمن حقه اللجوء للقضاء من اجل المطالبة بجبر الضرر.