ندوة علمية تربوية : رهانات التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي 15 أكتوبر 2025

تحت شعار « المدرس عماد الإصلاحات والتحولات التربوية »، ارتأت خمس هيئات تربوية: منظمة التضامن الجامعي فرع مراكش، مؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم فرع مراكش، جمعية دليل للتوجيه والإعلام المهني، نقابة المفتشين بالمغرب، جمعية المكونين بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، تخليد اليوم العالمي للمدرس هذه السنة مجتمعة. ونظمت لذلك ندوة علمية تربوية  لقاء تربويا بإقامة المدرس التابعة لمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بمراكش، يوم الأربعاء 15 أكتوبر على الساعة الخامسة بعد الزوال. عرف هذا اللقاء تقديم محاضرة من قبل الدكتور محمد الخمسي بعنوان « رهانات التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي ».

 

              

تتبع أشغال هذا اللقاء، إلى جانب الحضور النوعي، السيد عبد الجليل باحدوا، الكاتب الوطني لمنظمة التضامن الجامعي، الدكتورة فاطمة رومات، الخبيرة الدولية في الذكاء الاصطناعي؛ حيث قدم كل واحد منهما كلمة بهذه المناسبة. وقبل أن يتناول السيد المحاضر، محمد الخمسي، الكلمة لإلقاء محاضرته، عرضت الهيئات الخمس كلمة ترحيبية تطرقت خلالها إلى المسار الوحدوي الذي جمع الشركاء الخمس منذ توقيع الشراكة بينهم مطلع سنة 2016؛ حيث شهدت هذه الفترة تنظيم العديد من الندوات الفكرية والتربوية.

اعتمد الدكتور محمد الخمسي مقاربة فلسفية للتحديات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي في التعليم بالمغرب. أشار في بداية مداخلته إلى اللحظات المشرقة التي ميزت تاريخ الإنسانية (الاعتناء، اكتشاف النار، انبثاق فكرة العبور وإقامة الجسور بين الأمم، الطباعة، التحكم في الصوت والصورة…) مؤكدا على أن الذكاء الاصطناعي يعد تتويجا لهذه اللحظات، لكونه يعكس مدى قدرة الإنسان على تحسين شروط العيش المشترك. لا تفتأ الإنسانية، في نظر الخمسي، تجتهد من أجل إنماء إمكاناتها العقلية والحسية والفكرية والاجتماعية، حيث استطاعت اليوم أن تنمي، على الأقل، تسع أصناف من الذكاءات الإنسانية، ولعلّ أبرزها الذكاء الطبيعي للإنسان؛ والذي يعتبر المنبع الذي انبثقت عنه كل الاختراعات بما فيها ما يطلق عليه اليوم بالذكاء الاصطناعي. لذا ينبهنا الأستاذ الخمسي ألا ننسى أن الذكاء الاصطناعي، وإن حاول أن يتشبه بالذكاء الإنساني، يظل من إنتاج الذكاء الطبيعي للإنسان. إن أبرز التحديات التي يواجهها الإنسان بعد ظهور الذكاء الاصطناعي تكمن في أن الإنسان وجد نفسه مقابل خوارزميات قادرة على منافسته في مجال التفكير وداخل حقل المشاعر والأحاسيس وعلى مستوى اتخاذ القرار؛ وهي الخوارزميات التي أثبتت أنها تستطيع ممارسة هذه الملكات التي كانت حِكْرا على الإنسان وذلك في مدة وجيزة أقل بكثير من المدة التي يستغرقها هذا الأخير. إن اكتساح هذه الخوارزميات لميادين الحياة الإنسانية ترتب عليه إفراغ هذه الأخيرة من معناها الأخلاقي ومن حمولتها الوجودية. لذلك أضحت أفعال الإنسان، مع هذا الحضور الكثيف للذكاء الاصطناعي، فاقدةً للسمات المميزة لها، بل إنها لم تعد تعكس كونها صادرة عن ذات متميزة في وجودها؛ وأصبحت محض ردود أفعال كائن خاضع لنمط وجود تقني.

لكن المحاضر حرص، بعد عرضه للمداخل التي يمكن في ضوئها مقاربة الذكاء الاصطناعي، على بيان المآزق والرهانات التي يواجهها التعليم مع ظهور الذكاء الاصطناعي. فأبان محمد الخمسي عن أنه في ظلِّ تعالي الأصوات التي ترى أن هذا الذكاء سيحدث زلزالا على مستوى الوظائف والمهن الإنسانية، ينبغي استثناء مهنة التربية والتكوين، لأن مجال الممارسة التعليمية لا يتحدد برهان نقل ومراكمة المعارف فحسب؛ بل تستمد شرعيتها الوجودية من السجل الأخلاقي والتواصلي والإنساني. فداخل الفصل الدراسي، لا يكتفي المدرس بتقديم المعارف، بل يعمل على تعبئة الأخلاقي والعاطفي والاجتماعي والإنساني والتواصلي والجمالي وغيرها من الأبعاد المحددة والمميزة للفعل الإنساني. هكذا تناول محمد الخمسي مهنة التعليم في زمن الذكاء الاصطناعي من خلال أربعة مداخل: مدخل القيم، مدخل التجربة الفعلية، مدخل التواصل في المكان، ومدخل ثقل الرمزي وأهميته في الحياة الإنسانية. ولما ارتكزت مهنة التعليم على هذه الأسس الأربع، فإن توظيف الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يشغل مكانة المدرس، لأن رهان خوارزمياته يرتبط بالمعرفي لا بالأخلاقي والوجودي والعلائقي؛ وهي أبعاد محددة للذات الإنسانية.

في ختام اللقاء، حرصت الهيئات المنظمة لهذا اللقاء على تكريم السيد المحاضر، محمد الخمسي، والخبيرة في الذكاء الاصطناعي، السيدة فاطمة رومات. ودعت الحضور الكريم إلى الندوة المقرر تنظيمها في شهر مارس من السنة المقبلة.

 


Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *