بيان اليوم العالمي للمدرس(ة) المدرسة فضاء للتربية على القيم وترسيخ السلوك المدني

يخلد التضامن الجامعي المغربي اليوم العالمي للمدرس(ة) لهذه السنة (2018-2019) تحت شعار: « المدرسة فضاء للتربية على القيم وترسيخ السلوك المدني » ويأتي الاحتفال بهذه الذكرى في سياق يعرف فيه المشهد التعليمي المغربي حركية مجتمعية تدافع عن المدرسة العمومية وتدعو إلى التعجيل بإصلاح منظومة التربية والتكوين وفق الرؤية الاستراتيجية الوطنية لإصلاح التعليم (2015-2030) التي تعرف تعثرا في التنزيل بعد مرور حوالي 4 سنوات على إقرارها، حيث ما زال الكثير من التعثرات والاختلالات البنيوية تؤثرعلى مردودية المدرسة العمومية وعلى وظائفها التربوية والتكوينية، والتي وقفت عليها جميع التشخيصات والتقييمات الوطنية والدولية، ومن أبرز تلك الاختلالات، تراجع دور المدرسة العمومية في التربية على القيم وفي ترسيخ السلوك المدني، مما أدى إلى تنامي سلوك لا مدني كالعنف في الوسط المدرسي، وغياب الانضباط والالتزام بالنظام الداخلي، وتنامي الغش، والتحرش والإضرار بالملك العام والبيئة.

ونحن في التضامن الجامعي المغربي نعيد التأكيد، بهذه المناسبة، على أن إصلاح منظومة التربية والتكوين مرتبط بمشروع مجتمع بديل، بمقوماته الضرورية في مجالات الحداثة وسيادة القانون والمساءلة والشفافية، كما أن سؤال القيم بالمدرسة العمومية، الذي يعد من أبرز التحديات التي تواجه منظومتنا التربوية والتكوينية، يتطلب مراجعة المناهج والمقررات الدراسية لمواكبة المستجدات المعرفية والعلمية وتحصين الأجيال من التطرف والإرهاب والظلامية الفكرية والانغلاق، ذلك أن ما يجري في المدرسة جد حاسم بالنسبة للأطفال والمجتمع نفسه، فعلى عاتقها تقع مسؤولية تشكيل القيم المشتركة وتركيز الروح النقدي ووضع السؤال وملكات الحكم لدى الأطفال، فغرس القيم المشتركة قضية أساسية لخلق قاعدة ثقافية واسعة تهيئنا للعيش المشترك وتعزز مفهوم المواطنة الإيجابية والالتفاف حولها.

وفي هذا الإطار فإننا ندعو إلى تعبئة الجميع، مسؤولين ومجتمعا مدنيا، من أجل اتخاذ كل التدابير والإجراءات الهادفة إلى تعزيز السلوك المدني والتسامح والمواطنة ومحاربة التطرف والتعصب والعنف بأنواعه اللفظي والمادي والنفسي، وغير ذلك من الممارسات المخلة بالقيم داخل المدرسة وفي محيطها.

يدعو التضامن الجامعي المغربي الحكومة والوزارة الوصية إلى التعجيل بتفعيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي خاصة في ما يتعلق بترسيخ مجتمع المواطنة والديمقراطية والكرامة وحرية الضمير والمساواة، وذلك بغاية فتح الآفاق أمام ثقافة نقدية وعالمية، تنسجم والقيم الكونية الداعية إلى التسامح والتعايش مع مختلف الثقافات والحضارات الإنسانية ونبذ التطرف والإرهاب.

يرى التضامن الجامعي المغربي أن تراجع منظومة القيم في المدرسة العمومية أدى إلى مضاعفة معاناة الأسرة التعليمية من العنف المدرسي ومن الاعتداءات الجسدية واللفظية والمعنوية التي يتعرضون لها، مما يحمل الحكومة والوزارة الوصية مسؤولية الوضعية المقلقة التي يعانون منها، ويدعوها إلى التصدي بحزم وصرامة للسلوك اللامدني، واعتماد إجراءات عملية لحماية كرامة وشرف نساء ورجال التعليم ورد الاعتبار لهم داخل المجتمع، والعمل في اتجاه إقرار الآليات المؤسساتية التي تساهم في قيام المدرسة بوظائفها التربوية والتكوينية، في التنشئة الاجتماعية والتربية على قيم المواطنة والسلوك المدني، القمين بتكوين المواطن الواعي القادر على الموازنة بين واجباته وحقوقه المحترم للآخر وللحق في الاختلاف، والمنفتح على العصر والكون. صحيح أن التربية أصبحت ظاهرة معقدة في عالم يعيش فترة تحولات كبرى وسريعة، أحدثتها التكنولوجيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي تحمل في رسائلها ومواضيعها، وصورها، التي لا حدود لها، الكثير من المخاطر والشعور بفقدان السيطرة على مستقبل الأطفال، إذ نشأت ثقافة جديدة لها تأثيرها في تجارب الأطفال واهتماماتهم وطرق تعلمهم، إلا أنه بالرغم من كل هذا التطور تبقى المدرسة المؤسسة الرئيسة للتربية ولذلك نعلق عليها كل آمالنا في أن تنجح في مواجهة التحديات وكسب رهانات العصر، وضمان فرص التحديث والتطوير والنمو الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا.

إن التضامن الجامعي المغربي وبمناسبة اليوم العالمي للمدرس، يراهن على إصلاح منظومة التربية والتكوين وفق الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي يعتبرها الفرصة الأخيرة للنهوض بقطاع التعليم، ويربط الإصلاح بالاهتمام بالعنصر البشري من أطر إدارية وتربوية، والعناية الضرورية بأوضاعهم المادية والاجتماعية ووضع نظام أساس جديد ومنصف لنساء ورجال التعليم، وترسيخ ثقافة المساءلة والمحاسبة في مجال تدبير النظام التربوي ماديا وإداريا وتربويا.

وبخصوص أساتذة الأكاديمية، فان التضامن الجامعي المغربي على وعي بالوضعية المقلقة للأستاذات والأساتذة موظفي الأكاديميات المتعاقدين، لذلك يدعو إلى توفير الضمانات القانونية الكافية لعمل الأساتذة المتعاقدين قصد تحقيق أمنهم الوظيفي، واستقرارهم المادي والمعنوي وضمان تكوينهم تكوينا جيدا يمكنهم من المساهمة في تحقيق جودة التعليم، وإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية وتحسين صورتها داخل المجتمع.

إن التضامن الجامعي المغربي مقتنع بالدور المركزي للهيأة التعليمية في إصلاح منظومة التربية والتكوين وتحسين جودة التعليم، وصيانة مكسب المدرسة العمومية، لذا يدعو نساء ورجال التعليم إلى التشبث بأخلاقيات المهنة، والتشبع بثقافة الحق والواجب وبقيم التضامن.

يعيد التضامن الجامعي المغربي، بمناسبة اليوم العالمي للمدرس/ة، تأكيد منظوره المتكامل للإصلاح والمؤسس على أن المدرسة ليست عبئا مكلفا بل هي استثمار للمغرب الراغب في التقدم والتطور، لذا فإن إصلاح التعليم يتطلب توفر إرادة سياسية حقيقة تنزل المسألة التعليمية منزلة الصدارة، في اهتمامات الدولة، والمجتمع المدني باعتبار أن التعليم أولية وطنية والإصلاح قضية مجتمعية تستدعي التعبئة وتأسيس تعاقد بين المدرسة والمجتمع لاسترجاع الثقة في منظومتنا التربوية، ومن خلالها المدرسة المغربية لتنهض بوظائفها التكوينية والتربوية الهادفة إلى تربية الجيل الجديد المتشبع بالديمقراطية سلوكا وأفكارا وقيما، وإرساء مجتمع ديمقراطي حداثي متماسك يتسع لجميع الشرائح والأطياف، وتحترم فيه الحريات الفردية والجماعية وقيم الاختلاف والتنوع.

يرى التضامن الجامعي المغربي أن مشروع القانون الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتكوين ينبغي أن يكون عاكسا لمضامين الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، وأن يقطع مع الاختلالات التي لم تتوقف انعكاساتها السلبية على أوضاع الهيأة ومحافظا على مكسب مجانية التعليم لضمان ترسيخ مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص والمساواة.

إننا في التضامن الجامعي المغربي ونحن نحتفل باليوم العالمي للمدرس/ة، ندعو مكاتبنا الإقليمية إلى تخصيص الموسم الدراسي 2018/2019 للتعبئة الشاملة من أجل المساهمة في برامج ترسيخ  التربية على القيم في المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وفي وضع الآليات الكفيلة بالتصدي للسلوك اللامدني داخل المدرسة، وتعزيز قيم التسامح والمواطنة والسلوك المدني في الوسط المدرسي، مراهنين على الأدوار الريادية لهيأة التعليم لما تمتلكه من حس وطني وغيرة على مستقبل المغرب ومصير أجياله. كما نغتنم فرصة الاحتفال باليوم العالمي للمدرس(ة) لتوجيه تحية تقدير واعتزاز لنساء ورجال التعليم الذين يضحون من أجل رسالة التربية والتكوين لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وندعوهم إلى الالتفاف حول منظمتهم العتيدة التضامن الجامعي المغربي التي تؤازر أسرة التعليم في كل قضاياها وتدافع عن كرامتها وعن شرف المهنة.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *