وزارة التربية الوطنية وزمن الإصلاح الحقيقي

عرفت منظومة التربية والتكوين ومنذ استقلال المغرب، إصلاحات متعددة ومتنوعة، كمية وكيفية، استهدفت مداخيل متعددة ومتباينة، التمدرس – البيداغوجي- الفضاء…
ورصدت لها ميزانيات هامة جدا، غير أن جميع المعنيين بالمجال، تقريبا، يجمعون أن جميع الإصلاحات التي عرفتها المدرسة العمومية لم ترق إلى مستوى الانتظارات ولم تكن في مستوى الميزانيات المخصصة لها، وبذلك يكاد الجميع يجمع على التراجع المستمر للمنظومة التربوية وعلى جميع الأصعدة، رغم ما تحققه من إنجازات كبيرة تتضاءل أمام إخفاقاتها المتعددة والمتنوعة.
ورغم ذلك، فمؤشرات إيجابية عديدة من قبيل تحقيق تلاميذ المدرسة العمومية أعلى معدلات امتحانات الباكالوريا أو ينافسون تلاميذ التعليم الخصوصي عليها، الالتحاق بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود، خريجو المدرسة والجامعة العمومية … تدل بقوة أن منظومة التربية والتكوين ما زالت تحمل في أحشائها جينات إيجابية قادرة على العطاء، وأن الوقت ما زال أمام مسؤولي المنظومة التربوية لتدارك بعض الهفوات والاختلالات إذا تعذر تداركها كلها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولإصلاح ما يمكن إصلاحه.
وسنتوقف هنا في هذه الورقة على ثلاث قضايا كبرى لإصلاح المنظومة التربوية وهي التعبئة للإصلاح والانخراط فيه ؛ التعبئة من أجل التعلمات ؛ وربط المسؤولية بالمحاسبة.
بداية تجدر الإشارة أن كل التشخيصات والتقييمات التي عرفتها وتعرفها المنظومة التربوية من طرف المؤسسات المعنية، تقفز على أحد أكبر الاختلالات التي ساهمت في تدمير كل محاولات الإصلاح السابقة وهو تغييب مبدإ التعبئة للإصلاح وضمان انخراط كل الفاعلين في تنفيذه.
التعبئة للإصلاح لا تكون بالمنتديات والمطويات والملفات والنقاشات والدردشات داخل مقرات الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات التعليمية، بل تتم بالعمل على تثمين مهن التربية والتكوين عمليا داخل المجتمع، وبإنصاف كل رجال ونساء التربية والتكوين المتضررين عبر تعديل النظام الأساسي الحالي وفق تصور يروم الإنصاف المادي والمعنوي وتحقيق العدالة التربوية، مستهدفا من هذه الإجراءات ضمان الانخراط الإرادي والفعلي في تنزيل مضامين الإصلاح.
إن كل محاولات الإصلاح السابقة ظلت حبيسة بنودها وتدابيرها ومشاريعها لأنها اعتبرت أن الصياغة اللغوية المنمقة والمذكرات المركزية وخلق اللجان المركزية والجهوية والإقليمية لتتبع الإنجاز وتعبئة مطبوعات ونسب الإنجاز كفيلة بتفعيل الإصلاح وإنجاحه، فكان مصيرها الفشل الذريع. البرنامج الاستعجالي والتدابير ذات الأولوية خير نموذج لها، فهما معا قد عمرا ما يقارب من عشر سنوات داخل المنظومة التربوية، ولا يكاد يعرف عنهما أغلب نساء ورجال التربية والتكوين إلا العنوان الكبير أو بعض العناوين التفصيلية في أحسن الأحوال، ناهيك عن الانخراط الإرادي والطوعي والوطني في تنزيل مضامين الإصلاح.
وبالتالي فزمن الإصلاح ينطلق من التعبئة الحقيقية له داخل كل فئات نساء ورجال التربية والتكوين وخصوصا الفئات الأساسية في المنظومة: هيئة التدريس – هيئة الإدارة التربوية وهيئة التفتيش، عبر إنصاف كل الفئات في قانون أساسي منصف وعادل، يساعد على تهيئة الشروط التربوية والمادية للانخراط في الإصلاح.
وإذا كان زمن الإصلاح مع السيد الوزير الجديد قد انطلق بمؤشرات قوية جدا على الرغبة في إعطاء الانطلاقة الفعلية للإصلاح، بعيدا عن البوليميك والمزايدات، منها إنهاء أغلب عمليات الدخول المدرسي الجاري مع نهاية الموسم الدراسي السابق وخصوصا ما يرتبط بالموارد البشرية، رغم ما خلفته الحركات الانتقالية من احتجاجت وتوترات، ومنها الشروع الفعلي في خفض أعداد الأقسام المشتركة والحد من الاكتظاظ، والاعتناء بجمالية الفضاء المدرسي، والاهتمام بتدريس اللغات…. وهي وغيرها مؤشرات تفيد إصرار السيد الوزير الجديد على وضع قطار الإصلاح في سكته الحقيقية، لكن تجدر الإشارة إلى أن كل العمليات والتدابير والإجراءات، التربوية والإدارية والمالية والعمرانية … إذا لم تنعكس إيجابا على جودة التعلمات، فهي مجرد مجهودات مهدورة.
ومن هذا المنطلق يتعين اشتغال الجميع، أقول جميع العاملين في القطاع على المساهمة في تحقيق التعلمات داخل الأقسام: الأساتذة – هيئة الإدارة التربوية – هيئة التفتيش التربوي – المديريات الإقليمية – الأكاديميات …. كل من موقعه وحسب اختصاصاته.
فمن شروط إنجاح الإصلاح أن يدع مديرو الأكاديميات والمديرون الإقليميون وكل الأطر مكاتبهم الإدارية ليتم النزول للمؤسسات التعليمية للعمل الميداني على توفير كل الشروط التربوية والإدارية التي تتطلبها عملية تحسين جودة التعلمات داخل الأقسام، لنجعل فعليا التعلمات والتلميذ في قلب العملية التربوية والتعليمية. وهو ما يترتب عنه الشروع في تحديد دقيق لمساهمة ومسؤولية الجميع في تحسين جودة التعلمات حسب الاختصاصات والمهام، وبالتالي محاسبة كل الفئات انطلاقا من مرجعية جودة التعلمات، لنجعل منطلق وهدف عمل الجميع جودة التعلمات.
وختاما، أؤكد أن مداخل الإصلاح كثيرة ومتنوعة، لا يمكن إغفال بعضها أو جعله في درجة ثانية، ولكن إعطاء انطلاقة زمن الإصلاح الحقيقي يقتضي ترتيب الأولويات الذي يتطلب في نظرنا مرحليا:

  • التعبئة الحقيقية وضمان انخراط الجميع في الإصلاح.
  • نظام أساسي منصف وعادل لجميع الفئات.
  • جودة التعلمات محور عمل جميع أطر وزارة التربية الوطنية.
  • تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بمرجع التعلمات.

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *